عرض المقال
إهمال علم الإحصاء الطبى كارثة
2014-03-04 الثلاثاء
ما زلت أتذكر صديقى ودُفعتى فى كلية الطب د.طارق سهمود، الذى بعد أن تخرج وجدناه يقرر أن يستكمل مستقبله فى علم الإحصاء الطبى ويهجر الطب العلاجى والعيادات والمستشفيات، كان يحدثنا عن فهم الدراسات الوبائية، وجمع المعطيات وعرضها وتلخيصها، والتوزيع الاحتمالى، والخطأ المعيارى، ومجالات الثقة، ومقارنة المتوسطات للعينات الكبيرة والصغيرة، واستعمال التحويلات الرياضية للمعطيات المدروسة والارتباط، والطرائق المبنية على الرتب، والجداول الاحتمالية، وأخطاء القياس، وكيفية اختيار الطريقة الإحصائية، كنا نفتح أفواهنا وكأنه يتحدث عن طلاسم سحرية، كنا نقول له وقتها: «يا عم إحنا عايزين ننجز الرسالة، وانت قاعد تكلمنا باللاوندى»، سخرنا حينها من اتجاهه، وأشفقنا عليه كيف يهجر جنة الخمسة عين ويذهب إلى جحيم الأرقام والمنحنيات والأعمدة، طبعاً اكتشفنا بعدها أن الخمسة عين فى مصر وهم مثل وهم الحب الأول، وأن تخصصه لا يقل، بل أحياناً يزيد على أى تخصص علاجى، وأن ندرته فى مصر وإهماله والتعامل معه على أنه زائدة دودية جريمة وكارثة ومصيبة، سافر «سهمود» إلى فرنسا ومنها إلى أمريكا حيث تم تقديره وتقدير تخصصه، عرفت وتأكدت بعد دراسة مسيرة زميلى ودُفعتى وبعد مراقبة كل من تخصص فى هذا العلم المهم أننا أمام كارثة حقيقية، معظم الأبحاث ورسائل الدكتوراه المتراكمة على أرفف كليات الطب والكليات العلمية الأخرى عندنا تعانى من أنيميا إحصائية، تشكو من عوار إحصائى، رسائل تايوانى ملفقة مضروبة، ألخص لكم ما يحدث، للأسف، فى كليات الطب وأرجو ألا يغضب أصدقائى الأطباء، عالم الإحصاء الطبى الذى لا بد أن نضعه فوق رءوسنا وفى عيوننا وظيفته بالنسبة لدكاترة المستقبل وأساتذة الجيل ملفقاتى!! للأسف أقولها وأنا حزين، يقول له صاحب الماجستير أو الدكتوراه التالى بنفس الألفاظ: «عايزك تقلوظ لى الرسالة» أو «عايزك تظبط النتايج» أو «شوف ده اللى أنا طلعته وقدرت أعمله هِمّتك معايا بقى تركب الشامى ع المغربى وتجيب أبوقرش على أبوقرشين لغاية ما الرسالة تعجب المناقشين» أو «عشان خاطرى شفّى لى الرسالة» من تشفية اللحم وليس من الشفاء!! يعمل الباحث شغله على عشرة مرضى مثلاً والمطلوب مائة، خلاص نضرب فى عشرة وننقص من هنا ونحط على هنا وناخد الجذر التربيعى من هناك ونرسم كيرفات ومنحنيات ورسم بيانى معتبر واستلم الرسالة بيضة مقشرة وادفع المعلوم واعمل الحفلة ووزع الجاتوه وعلق الشهادة على الحيطة وبلاها بحث علمى وبلاها تقدم علاج!! كيف سنتقدم طبياً وعالم الإحصاء الطبى نتعامل معه بهذه النفعية؟ كيف سنتغير وموضوعات الرسائل مهروسة ومنداسة من قبل ومفبركة بواسطة المفبركاتى حالياً أو عالم الإحصاء الطبى حالياً الذى نهينه بأن نضعه فى هذا الخندق النفعى الهزيل، وبعدها نقول اختراعات واكتشافات!